ابوظبي- كشف الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس هيئة أبوظبي للثقافة والتراث أن قلعة الجاهلي في مدينة العين تشهد اليوم برنامج إعادة تأهيل وتطوير طموح يرمي إلى الحفاظ على بنية هذا المبنى التاريخي وقيمته الثقافية وجعله مقصداً سياحياً جاذباً ومميزاً.
وذكر أنه مع اكتمال هذا المشروع الضخم، فإن قلعة الجاهلي التي يعود تاريخها إلى العام 1898 وتعتبر أحد أهم المعالم التاريخية في مدينة العين وأكبر قلاعها، سوف توفر لسكان العين وزوارها: مركز معلومات جديد للسياح، صالة عرض للفعاليات الفنية والثقافية، معرض دائم عن الرحالة (مبارك بن لندن– ويلفريد ثيسنجر)، وبرنامج عرض سمعي– بصري يستعرض تاريخ مدينة العين وتطورها.
وأوضح الشيخ سلطان بن طحنون أن مشروع تطوير قلعة الجاهلي يأتي في إطار جملة من المشاريع الثقافية الهامة التي باشرت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بتنفيذها في مدينة العين، وأكد أن النقلة النوعية التي ستشهدها الحركة الثقافية في مدينة العين تشمل تأسيس وإطلاق العديد من المشاريع التراثية الثقافية المتميزة.
وأشار إلى أن دور المجتمع المحلي بكافة فئاته سوف يكون فاعلا ومؤثراً في المشهد الثقافي للمدينة، حيث تعمل هيئة أبوظبي للثقافة والتراث على توفير الأماكن المناسبة لاستضافة الأنشطة الثقافية وتقديم مختلف أشكال الدعم اللوجستي.
من جهته ذكر محمد خلف المزروعي مدير عام هيئة أبوظبي للثقافة والتراث أن الهيئة تسعى لاستغلال الأماكن الأثرية بمدينة العين وتفعيلها واستقطاب الزوار والسياح لها في إطار تنفيذ استراتيجية الحفاظ على التراث الثقافي لإمارة أبوظبي، وذلك من خلال تنظيم أنشطة فنية وثقافية تعمل على تفعيل وتطوير السياحة الثقافية، وبشكل خاص من خلال إعادة تأهيل قلعة الجاهلي، وذلك بالتوازي مع تسجيل جميع الشواهد الأثرية للقلعة بهدف توثيق تاريخ القلعة والحفاظ عليه وتفسيره بالكامل.
وأوضح المزروعي أنه تتم حالياً إعادة تأهيل قلعة الجاهلي بعناية فائقة باستخدام مزيج من المواد التقليدية والتقنيات الحديثة. وسينتج عن هذا المزيج مبنى يتميز بانسجامه البيئي والتاريخي مع المكان المحيط به، خاصة مع حديقة الجاهلي القريبة منه.
وأكد أن قلعة الجاهلي سوف تصبح الوجهة الثقافية الجديدة في مدينة العين التي يجد فيها كل زائر ما يبحث عنه، وسوف تتضمن:
- مركز للزوار مزود بمكتبة ومجلس ويقدم المعلومات عن كل ما يمكن زيارته والقيام به في مدينة العين، مع وجود فريق مطلع ومدرب يقدم النصح و الإرشاد للزوار.
- تخصيص برنامج عرض سمعي– بصري في برج القلعة الأثري حيث سيتم عرض "قصة العين" التي ستكشف عن تراث المدينة وثقافتها بأسلوب مميز وجذاب، إذ سيمر الزوار على مجموعة من الغرف لاكتشاف قصة مختلفة في كل غرفة. وسيتم استخدام مؤثرات عديدة من الموسيقى والشعر وخرير الماء ونسمات الهواء المنعشة لإعادة تاريخ مدينة العين إلى الحياة وتجسيدها في الحاضر.
- استغلال قلعة الجاهلي كمركز معارض في قلب مدينة العين، حيث ستنطوي عملية إعادة تأهيل قلعة الجاهلي على إنشاء مساحتين للعرض: الأولى ستكون صالة عرض فنية داخلية تمتد إلى فناء القلعة، مما يجعلها مناسبة للمعارض المؤقتة، ويمكن لهذا المكان أن يستقبل نحو عشرين معرضاً في العام.
- أما صالة "بن لندن وحرية الصحراء"، فستكون معرضاً دائماً جديداً مخصصاً لويلفريد ثيسنجر الذي عبر صحراء الربع الخالي مرتين في الأربعينيات من القرن الماضي. وقد كان ويلفريد ثيسنجر يعرف مدينة العين جيداً حيث كان يستمتع بالاستكشاف والصيد بالقرب من منطقة جبل حفيت. وسيكشف هذا المعرض عشق ثيسنجر للصحراء وتقديره للبدو الذين قدموا له العون خلال رحلاته الاستكشافية.
وحول التفاصيل الفنية والهندسية والتاريخية لمشروع إعادة تأهيل قلعة الجاهلي، كشف د.سامي المصري مدير التخطيط الاستراتيجي في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، أن نموذج التصميم الهندسي يتبع النمط التاريخي لأرضيات القلعة ويعمل على إظهار كوّات الإضاءة وفتحات التهوية المنتشرة في المبنى التاريخي.
أما الأروقة التي تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، فسيتم إحاطتها بالزجاج، فيما ستتحول المساحات الداخلية الجديدة إلى مساحات خاصة بمعرض مبارك بن لندن ومركز المعلومات للزوار.
أما أسلوب البناء فسيعتمد على استخدام قوالب الطين والجبس وخشب النخيل مع احترام الحفاظ على مواد البناء التاريخية الموجودة في القلعة بالكامل.
ومن شأن استخدام التقنيات الحديثة إلى جانب استخدام الطين كمادة للبناء أن يحافظ على المناخ الداخلي للقلعة في درجة حرارة معتدلة بدرجة 22 مئوية. كما ستضمن أنابيب المياه الباردة الموجودة داخل طبقة الطين تبريد المبنى في فصل الصيف، بينما يتم التحكم في تيار الهواء البارد بأسلوب ذكي عن طريق مجسات تحد من اندفاع التيار وتقلل من استهلاك الطاقة.
وذكر أنه تمّ العمل على عدد من المتغيرات التي طرأت على المبنى، منها معالجة وإعادة تركيب جذوع النخيل في الأسقف، إعادة بناء طبقة اللبن الداخلية كجزء من نظام تبريد المبنى، وتوفير مساحات أكبر للاستخدام عبر توسيع الغرف بغية إنشاء مركز المعلومات والمجلس والمكتبة.
ويعود تاريخ قلعة الجاهلي إلى عام 1898، وقد قام الشيخ زايد بن خليفة (زايد الأول) حاكم إمارة أبوظبي في الفترة الممتدة من 1855 إلى 1909 ببناء هذه القلعة بالقرب من إحدى المستوطنات حول واحة الجاهلي، وجعل منها محل إقامته الصيفية وباشر منها بالعديد من المشاريع التطويرية بدءاً بالأفلاج وانتهاءً بالمباني الدفاعية.
وتدل إحدى النقوش المكتوبة على البوابة الجنوبية للقلعة على أن القلعة المربعة الداخلية تعود إلى تسعينيات القرن التاسع عشر ميلادي. وكانت القلعة تستخدم كاستراحة صيفية للعائلة الحاكمة، كما كانت تمثل رمز الاستقرار السياسي الذي حققه الشيخ زايد بن خليفة خلال فترة حكمه الطويلة.
وتعتبر القلعة المربعة الداخلية والبرج الدائري المنفرد من أقدم أجزاء هذا الموقع التاريخي، ومن المرجح أن يكون قد تم بناء هذا البرج لمراقبة وحماية الواحة من المغيرين والغزاة.
وبحلول العام 1955، أصبحت مباني القلعة في أمس الحاجة إلى الترميم والإصلاح بعد أن استخدمها الجيش كثكنات عسكرية ومخازن وقواعد للضباط. وفي فترة الثمانينيات، تغير استخدام القلعة مرة أخرى ليصبح فناؤها الواسع مسرحاً لتنظيم مختلف الفعاليات والمناسبات، حيث تم حينها إضافة المدخل الحالي المحاط بالأبراج الكبيرة.